والسور التي أنزلت بمكة أول العهد بنزول الوحي كانت غير منطوية على نظم تشريعية، ولا قوانين تنظيمية، وإنما لحظ أولئك العرب الإعجاز في نظم هذا القرآن نفسه.
وعلى قدر المعرفة بلغة العرب تكون المعرفة بفضل القرآن وعلو شأنه.
وأنما يعرف فضل القرآن، من عرف كلام العرب وخطبها ومقالاتها: في مواطن افتخارها، ورسائلها، وأراجيزها، وأسجاعها، فعلم منها: تلوين الخطاب ومعدوله، وفنون البلاغة، وضروب الفصاحة، وأجناس التجنيس، وبدائع البديع، ومحاسن الحكم والامثال.
فإذا علم ذلك ونظر في هذا الكتاب العزيز، ورأى ما أودعه الله سبحانه فيه من البلاغة والفصاحة وفنون البيان، فقد أوتي العجب العجاب، والقول الفصل اللباب، والبلاغة الناصعة التي تحير الألباب، وتغلق دونها الأبواب.
فكان خطابه للعرب، بلسانهم لتقوم به الحجة عليهم، ومجاراته لهم في ميدان الفصاحة ليسبل رداء عجزهم عليهم، ويثبت أنه ليس من خطابهم لديهم، فعجزت عن مجاراته فصحاؤهم، وكلت عن النطق بمثله ألسنة بلغائهم.
وبرز في رونق الجمال والجلال، في أعدل ميزان من المناسبة والاعتدال، ولذلك يقع في النفوس عند تلاوته وسماعه من الروعة ما يملأ القلوب هيبة، والنفوس خشية، وتستلذه الأسماع، وتميل إليه بالحنين الطباع، سواء كانت فاهمة لمعانيه أو غير فاهمة، عالمة بما تحتويه أو غير عالمة، كافرة بما جاء فيه أو مؤمنة.